من منا لم يتعرض في حياته المهنية لبعض المواقف الصعبة، أو ربما المهينة التي تتركه أياماً غارقاً في الغضب والقهر، مفتشاً عن سبل استعادته لكرامته وإعادة تلميع صورته من جديد أمام كلّ من كان شاهداً على ما حصل؟ للتعامل مع ظروف كهذه ينبغي التحلّي بالكثير من الشجاعة وقوّة الإرادة والصبر، ومعرفة كيفية عبور مختلف المراحل التي تقود نحو استعادة الثقة بالذات وتلميع الصورة بسلاسة ومن دون أضرار. هذه الأمور تحدث في المؤسسات الصغرى والكبرى، وفي أماكن العمل كلها. وقد تأتي الإهانة من مدير أو من رئيس أو حتى من زميل، فتترك أثرها البالغ في نفس من كان هدفاً لها.
الشعور الأولي:
لدى التعرّض لإهانة ما، نادراً ما تستوعبين ما يحدث في اللحظات الأولى، فتقفين عاجزة عن الكلام غير مصدقة ما يحدث، ثم لا يلبث أن ينتابك شعور مذهل بالخجل، سيما إذا كان ثمة شهود على ما حدث، وتتمنين حينئذٍ لو أن الأرض تنشق وتبتلعك، قبل أن يتحوّل خجلك هذا الى نوبة غضب تفجّرينها في وجه الآخر إذا كان زميلاً، أو تكبتينها داخلك وتسيطرين عليها مرغمة إذا كان الآخر مديراً أو رئيساً.
دفن الرأس في الرمال:
في مرحلة لاحقة تسعين الى تجنّب كل من حولك، وهم بدورهم يسعون الى تجنّبك، وقد تشعرين لفترة أنك محط تعليقاتهم وأن نظراتهم تلاحقك كيفما اتجهت، حتى وإن لم يكن ذلك صحيحاً. وهنا تسعين الى تبرير موقفك وكسب المؤيدين لقضيتك، فتتجه طاقتك كلها في هذه المرحلة الى تكرار شرح الوضع والظروف المرافقة والأسباب وإعلان الموقف.. بينما يتوجب عليك العمل في اتجاه آخر لإثبات قيمتك وفاعليتك في العمل، وإصلاح ما كان ربما السبب في حصول ما حصل، ولتتمكني بالتالي من تخطيه بثقة.
تصحيح ما يمكن تصحيحه:
بعد أيام عدّة لا يعود أحد من المحيطين بك مهتماً بالموضوع سواك. لذلك من غير المفيد محاولة إبقائه مدار جدل من جديد. والأفضل هنا أن تنكبّي على دراسة الأسباب التي أدت الى هذه الإهانة: هل سببها تقصير منك، أم سوء تصرف، أم أنها صادرة عن شخص لم يستطع تمالك نفسه وتسبّب لك بإهانة مجانية لم يكن لك أي دخل فيها؟
وهنا عليك أن تكوني صادقة حقاً مع نفسك، فلا تجدي لنفسك أعذاراً ولا تبرري لغيرك تصرفه، بل عليك محاولة الوصول الى الأسباب الحقيقية لما حصل، فإذا كان ثمة خطأ صادر عنك واستدعى ردّ فعل، فيمكنك بكل بساطة أن تسعي الى إصلاحه وأن تُفهمي الآخر أن ردّ فعله جاء قوياً وجارحاً، في حين كان يمكن تفادي ذلك بحوار هادئ يؤدي الى تصحيح الخطأ من دون ضجة أو إثارة.
بعد ذلك يمكنك أن تُعلمي الجميع أنك آسفة على الخطأ، وأنك صححته بقدر الإمكان. وبعد التصحيح يمكنك أن تطلبي بجرأة ممن تسبّب بإهانتك أن يساهم معك في إجلاء الصورة أمام الآخرين لأنك تستحقين ذلك.
أما إذا لم يكن ثمة خطأ منك، وكان الآخر هو المسبّب الرئيسي للإهانة، فعندها يمكنك أن تواجهيه بجرأة إنما بهدوء، طالبة منه تقديم اعتذار أمام الشهود الذين كانوا حاضرين في حال كان زميلاً، أو ردّ اعتبارك بطريقة ما في حال كان رئيساً أو مديراً، ولا يمكنه إبداء اعتذار مباشر.
الأخبار الجيدة تمحو الذكريات السيئة:
أخيراً تأكدي بأن أفضل طريقة لتخطي ما حدث وجعل الآخرين ينسونه بدورهم، القيام بعمل جيد وإنجاز باهر يسلّط الضوء على قدراتك ومواهبك، ويظهر للجميع حقيقتك، وما أنت قادرة عليه.
لكن هنا عليك الحذر من محاولة تغطية ما حدث باعتماد اللطف المبالغ فيه مع الآخرين في محاولة لاستمالتهم، لأنك بذلك لا تكسبين تقديرهم، بل شفقتهم!